يكشف الكتاب الصادر حديثاً بعنوان "بينما كانت إسرائيل نائمة: كيف باغتت حماس أقوى جيش في الشرق الأوسط"، لمؤلفيه الخبيرين الأمنيين الأمريكيين الإسرائيليين يعقوب كاتز وأمير بوحبوط، عن تفاصيل دقيقة حول الكيفية التي صاغت بها "إسرائيل" استراتيجيتها الإقليمية قبيل هجوم السابع من أكتوبر، حيث برزت أبوظبي كحجر زاوية فيما وصفه الكتاب بـ "الدرع الإقليمي" الذي راهنت عليه تل أبيب لتغيير وجه الشرق الأوسط.

يشير المؤلفان إلى أن التوقيع على اتفاقيات التطبيع المسماة "أبراهام" مع الإمارات لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية تهدف لتعزيز التبادل التجاري والسياحي، بل كان انعطافة استراتيجية في "العقيدة الأمنية" الإسرائيلية؛ فقد سعت تل أبيب من خلال هذا التحالف إلى بناء ما يشبه "الدرع الإقليمي" الذي يدمج "إسرائيل" في نسيج المنطقة، مما يسمح لها بنقل ثقلها العسكري والاستخباري من مواجهة التهديدات القريبة والمباشرة إلى التركيز على ما تصفه بـ "رأس الأفعى" في طهران.

حائط صد إماراتي

ويرى الكتاب أن القيادة الإسرائيلية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، اعتبرت أن التقارب مع أبوظبي سيعمل بمثابة "حائط صد" سياسي وأمني يهمّش القضية الفلسطينية ويجعلها ملفاً ثانوياً يمكن احتواؤه عبر "السلام الاقتصادي".

هذا التصور خلق حالة من الطمأنينة الزائفة لدى الأجهزة الأمنية، التي اعتقدت أن حماس لن تجرؤ على القيام بعمل عسكري واسع قد يقوض المكاسب الإقليمية الكبرى التي تحققها "إسرائيل" في محيطها العربي "المعتدل".

علاوة على ذلك، يوضح الكتاب أن هذا "الدرع" كان يهدف إلى خلق شبكة من المصالح المتبادلة تجعل من استقرار إسرائيل مصلحة إقليمية مشتركة. وبناءً على هذا المفهوم، استثمرت "إسرائيل" بقوة في تسويق رؤية "الشرق الأوسط الجديد" القائم على التكنولوجيا والأمن المشترك، مما أدى في نهاية المطاف إلى إضعاف اليقظة العسكرية على حدود قطاع غزة، ظناً بأن العصر الجديد من التحالفات قد كسر دائرة الحروب التقليدية.

تصدع صورة "الحليف القوي"

يسلط كاتز وبوحبوط الضوء على التداعيات الخطيرة لعملية 7 أكتوبر على صورة "إسرائيل" أمام شركائها في اتفاقيات التطبيع؛ فتل أبيب التي سُوّقت لأبوظبي والمنطقة كـ "قلعة تكنولوجية" ومزود عالمي للحلول الأمنية المتطورة، ظهرت في صبيحة ذلك اليوم عاجزة عن حماية حدودها ومواطنيها أمام هجوم بدائي في أدواته لكنه متطور في تخطيطه. هذا الفشل لم يكن عسكرياً فحسب، بل كان فشلاً في "العلامة التجارية" الأمنية التي بُنيت عليها التحالفات الإقليمية.

ويؤكد الكتاب أن الصدمة في أبوظبي وعواصم المنطقة كانت عميقة، حيث بدأت تبرز تساؤلات حادة حول مدى جدوى "الدرع الإقليمي" إذا كانت القوة المركزية فيه، أي "إسرائيل"، قد تعرضت لهذا الاختراق المهين.

ويشير إلى أن انهيار منظومة الردع الإسرائيلية أمام فصيل مسلح وضع صدقية التعهدات الأمنية الإسرائيلية تحت المجهر، أجبر الشركاء الإقليميين على إعادة تقييم توازنات القوى بعيداً عن البروباغندا التكنولوجية التي سبقت الحرب.

كما يشير المؤلفان إلى أن هذا التصدع طال أيضاً مفهوم "الاستخبارات المتفوقة"؛ فالدول التي طبعت علاقاتها مع "إسرائيل" كانت تطمح للاستفادة من المظلة الاستخبارية الإسرائيلية لمواجهة التهديدات المشتركة؛ إلا أن العمى الاستخباراتي الذي سبق الهجوم أثبت أن "الدرع" الذي راهنت عليه "إسرائيل" لحماية مصالحها ومصالح حلفائها كان هشاً من الداخل، مما أحدث فجوة في الثقة تتطلب سنوات من العمل العسكري والسياسي لترميمها.

أبوظبي و"اليوم التالي"

يتناول الكتاب الدور المعقد الذي تضطلع به أبوظبي في مرحلة ما بعد الهجوم، مشيراً إلى أنها وضعت "خطوطاً حمراء" واضحة أمام حكومة نتنياهو منذ الأيام الأولى للحرب. ورغم الضغوط، تمسكت الإمارات بموقف يرفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية عسكرياً، مؤكدة أن "الدرع الإقليمي" لا يمكن أن يستمر إذا تحول إلى غطاء لسياسات تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.

ويوضح المؤلفان أن الرؤية الإسرائيلية لـ "اليوم التالي" تعتمد بشكل شبه كلي على أبوظبي كطرف أساسي في عمليات إعادة الإعمار وإدارة القطاع، نظراً لعدائها التاريخي لحركات الإسلام السياسي مثل حماس. ومع ذلك، ينبه الكتاب إلى أن أبوظبي لن تقبل بلعب دور "المقاول الأمني" لتل أبيب، وهي تشترط وجود مسار سياسي واضح يؤدي إلى حل الدولتين مقابل انخراطها المالي والسياسي في غزة.

ويخلص الكتاب إلى أن الحرب الحالية وضعت العلاقة بين "الدرع" و"القلعة" في اختبار تاريخي؛ فبينما تأمل "إسرائيل" في استعادة زخم تحالفاتها الإقليمية لتطويق آثار الفشل، تدرك الإمارات أن الاستقرار الحقيقي لا يمكن شراؤه بالاتفاقيات الأمنية وحدها. كما يخلص إلى أن مستقبل هذا "الدرع الإقليمي" بات مرتبطاً بقدرة "إسرائيل" على تقديم تنازلات سياسية لم تكن واردة في حساباتها قبل "الاستيقاظ" المؤلم في السابع من أكتوبر.