قسوة الشتاء دهمت مخيّمات اللاجئين السوريين في لبنان، اجتاحتها الثلوج والأمطار، وحرمتها حتى أبسط صنوف الرعاية التي تنبغي الإشارة إلى أنها كانت دائماً دولية، لكنها تراجعت تدريجياً في الآونة الأخيرة، إمّا لقلة الموارد أو لمضايقات من سلطات محلية لم تكن يوماً مرحّبة، وأصبحت أخيراً طاردة، شعر اللاجئون المتروكون لمصيرهم بأن هناك من يريد هلاكهم، وهم تمنوا الموت على هذه المعاناة مع الصقيع، لماذا لا يعودون إلى سوريا؟ لأن النظام لا يريدهم، مثلهم مثل أولئك في مخيم الركبان في عراء الصحراء داخل سوريا، ولأنهم مُعدمون فبين العودة غير المتاحة والقليل المتوفر من الرعاية الدولية لا يبدو الخيار صعباً.
لا يختلف الوضع كثيراً في مخيمات ليسبوس في اليونان، حيث المعرّضون للخطر مهملون، ولا تكفي جهود المنظمات الإغاثية وإمكاناتها لتعويضهم نقص الرعاية الطبية، أطفال بلا أهل، معوّقون، رجال ونساء يعانون من آثار التعذيب في السجون، مرضى ساءت أحوالهم، نساء حوامل، نساء فقدن رجالهن ومعهن أطفال، وجدوا أنفسهم عالقين في تلك المخيمات بلا أي أمل في مستقبل، فالأرض «المضيفة» لا تريدهم ولا تفتح لهم أية خيارات، كل الشاطئ الجنوبي لأوروبا صار الآن منطقة محرّمة، فـ «الأبواب مغلقة وستبقى مغلقة» و»لن يدخل أحد، هذا هو النهج المتّبع ولن يتغير»، وفقاً لماثيو سالفيني وزير الداخلية الإيطالي، الذي تصاعدت شعبيته لأنه أوصد الأبواب، واستلزم الأمر أكثر من نداء من البابا فرنسيس كي تقبل مالطا أخيراً إيواء بضع عشرات من اللاجئين، بعد أسابيع انتظار في البحر، لكن مع تحذير المنظمات الإغاثية بأن بادرة الرأفة هذه ستكون الأخيرة.
مع شبه الحرب على حدود المكسيك، وإلحاح دونالد ترمب على إقامة جدار عازل، مع الإعادة القسرية للاجئي الروهينجا إلى ميانمار التي هجّرتهم ولا تريدهم، مع ما يتكشّف عن التنكيل بالإيجور في الصين، واللائحة تطول، هناك من يقول للناس: موتوا، لا أحد يهتم. لم يسبق أن كانت فسحة الإنسانية بهذا الضيق، أو كان الضمير الإنساني على هذا النحو من الانحطاط، لا، ليست الحروب ولا الضائقة الاقتصادية، ولا صعود النعرات القومية ما يصنع هذه المآسي فحسب، ينبغي النظر أيضاً إلى العقول السياسية وما تجترحه من سياسات انغلاقية، أكثر من أي وقت مضى تتقارب مصالح وتضيق الفوارق بين الديمقراطيات والديكتاتوريات، وحين تتعايش حكومات ديمقراطية مع حكام مستبدين وفاسدين، بل ترشوهم بحماية بقائهم في السلطة، فلأنهم يستطيعون القتل بالنيابة عنها.