الأزمات السياسية العربية الحادة في هذه السنوات، تؤثر وبشكل كبير على المجتمعات العربية، فشل الدولة، والمواجهات المسلحة، إضافة إلى استمرار الاستبداد السياسي في احتكار السلطة وعدم فتح الأبواب للتغيير، كلها مع غيرها من العوامل، أدت إلى خنق الروح العربية التي تحلم بالأفضل، ولم تورثها الجمود فقط، بل قادت إلى التراجع، فاستمرار الأزمات وألمها، يقود إلى انحدار في سلم القيم المجتمعية، وهذا خطر لا خطر وراءه.
وقد تحدث علماء الاجتماع عن مفهوم «الأنومي» ووصفه المفكر فهمي هويدي أنه: مصطلح يستخدم في وصف الانفلات الذي ينتاب قيم المجتمع، بحيث تصبح عاجزة عن القيام بوظيفتها الإيجابية، وتكون القيم بذلك مكرسة للتراجع والتخلف بدلا من أن تكون رافعة للنهوض والتقدم، وشيوع المناخ الخانق الذي يؤدي لانحدار القيم، يعود في المقام الأول إلى السلطة السياسية في البلد، فعندما يفسد نظام الإدارة في بلد ما، يكون هذا كفيلاً بإفساد أي بعد آخر في المجتمع، فالعديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية تنشأ حين يسود الشعور بالاستبعاد والتهميش بين الأفراد، وحين تضعف القيم الاجتماعية وتهتز، فحينها المفاهيم والمعاني الإنسانية والدينية تفسد وتُستخدم في غير محلها، مثل الحرية والديمقراطية وغيرها، وهناك قناعات سلبية تسود وتُعمَّم في المجتمع وقت الأزمات والانكسارات، مثل أن الشخص النظيف لا يمكن أن ينجح بين الناس، أو أن «القوي» يستحق بعض الامتيازات؛ لأنه قوي وهذا نتاج طبيعي لما يشاهده الفرد أمامه في الدولة من انتشار المحسوبيات والفساد بين الطبقات والنخب العليا في المجتمع.
ولنأخذ حالة المجتمع المصري كمثال؛ لأنه أكثر مجتمع تمت الكتابة عنه من هذه الزاوية، ففي النصف الأخير من القرن الماضي، مرت على المجتمع المصري تحولات أيديولوجية ساهمت في خلخلة بنيته الثقافية المستقرة، وتسهيل حدوث نوع من التغير، ما أدى إلى عدم استقرار في المنظومة الثقافية وأدى إلى دخول سمات سلبية وانتهازية أثرت على المناخ الاجتماعي كله، فيذكر أستاذ علم الاجتماع علي ليلة، في دراسته «تحولات الثقافة ومنظومات القيم في مصر»: أنه «من الأسباب المسؤولة عن هذه الهشاشة الثقافية تسارع التحولات الاجتماعية الاقتصادية التي مر بها المجتمع، فقد كان المجتمع ذا توجه ليبرالي بالأساس إضافة إلي منظومات قيمية أخرى مجاورة، ثم تحول بعد 1952 إلى التوجه القومي مع اتباع كل ما يمكن أن يسمى بالتطور الرأسمالي المرشد في نفس الوقت، واستمر التوجه القومي من 1952 حتى 1960؛ حيث انهيار الوحدة كأول مشروع أو حلم قومي، وفي أعقاب ذلك حدث تحول جديد استغرق الفترة1961 وحتى 1970 تم التأكيد فيه على التوجهات الاشتراكية، وهذه التوجهات فرضت ضرورة أن توجه سلوكيات البشر بمنظومة قيمية غير المنظومات التي كانت سائدة من قبل، وحينما وقعت نكسة 1967 بدأ التآكل في التحول الاشتراكي وإن كان بصورة غير محسوسة في البداية غير أنه حينما توفي الزعيم الاشتراكي في 1970 بدأ التحول عن الاشتراكية في اتجاه الليبرالية واضحا وصريحا، وقد عجل من ذلك تراجع فاعلية قوة الاتحاد السوفيتي، واتساع فاعلية القوي الرأسمالية أو الليبرالية، وقد استمر هذا التحول حتى 1990 ليبدأ تحول جديد مع سقوط الاتحاد السوفيتي، وبداية تشكل نظام عالمي جديد أصبحت متغيرات التغير أو التحول فيه من الخارج بالأساس».
هذا التحول والاستغلال الجديد القادم من الخارج، تعاضدت معه قوى وطبقات اقتصادية من الداخل، وخلق اغترابا بين المصريين والطريقة التي تدار بها البلد، فاستأثر الأغنياء بالمصالح المهمة في البلد، وأصبحت مصر بلداً ليس له مثيل في «خدمة الأغنياء» كما يقول المفكر المصري جلال أمين، وطبقة الأغنياء كان لها تداخل مع السلطة الحاكمة في البلد، من أجل تسيير المصالح والمنافع بين النخبتين، «ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث يكون للأغنياء أن يتدخلوا في إدارة الحكم للبلد بهذه الطريقة»، حسب الوصف الذي قالت به دراسة صادرة عن مركز كارنيجي، وهذا التقهقر والانحدار المستمر جسدته عقود مبارك الثلاثة، أما الأخبار والمشاهد التي ترد من مصر اليوم، تحت إدارة عبدالفتاح السيسي، فهي مشهد جديد في منظومة التأثير السياسي السلبي على المجتمع، عام واحد، فاق في سوئه وحدته وعمق أزمته، ما مر بالمصريين خلال الثلاثة عقود.
وقد تحدث علماء الاجتماع عن مفهوم «الأنومي» ووصفه المفكر فهمي هويدي أنه: مصطلح يستخدم في وصف الانفلات الذي ينتاب قيم المجتمع، بحيث تصبح عاجزة عن القيام بوظيفتها الإيجابية، وتكون القيم بذلك مكرسة للتراجع والتخلف بدلا من أن تكون رافعة للنهوض والتقدم، وشيوع المناخ الخانق الذي يؤدي لانحدار القيم، يعود في المقام الأول إلى السلطة السياسية في البلد، فعندما يفسد نظام الإدارة في بلد ما، يكون هذا كفيلاً بإفساد أي بعد آخر في المجتمع، فالعديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية تنشأ حين يسود الشعور بالاستبعاد والتهميش بين الأفراد، وحين تضعف القيم الاجتماعية وتهتز، فحينها المفاهيم والمعاني الإنسانية والدينية تفسد وتُستخدم في غير محلها، مثل الحرية والديمقراطية وغيرها، وهناك قناعات سلبية تسود وتُعمَّم في المجتمع وقت الأزمات والانكسارات، مثل أن الشخص النظيف لا يمكن أن ينجح بين الناس، أو أن «القوي» يستحق بعض الامتيازات؛ لأنه قوي وهذا نتاج طبيعي لما يشاهده الفرد أمامه في الدولة من انتشار المحسوبيات والفساد بين الطبقات والنخب العليا في المجتمع.
ولنأخذ حالة المجتمع المصري كمثال؛ لأنه أكثر مجتمع تمت الكتابة عنه من هذه الزاوية، ففي النصف الأخير من القرن الماضي، مرت على المجتمع المصري تحولات أيديولوجية ساهمت في خلخلة بنيته الثقافية المستقرة، وتسهيل حدوث نوع من التغير، ما أدى إلى عدم استقرار في المنظومة الثقافية وأدى إلى دخول سمات سلبية وانتهازية أثرت على المناخ الاجتماعي كله، فيذكر أستاذ علم الاجتماع علي ليلة، في دراسته «تحولات الثقافة ومنظومات القيم في مصر»: أنه «من الأسباب المسؤولة عن هذه الهشاشة الثقافية تسارع التحولات الاجتماعية الاقتصادية التي مر بها المجتمع، فقد كان المجتمع ذا توجه ليبرالي بالأساس إضافة إلي منظومات قيمية أخرى مجاورة، ثم تحول بعد 1952 إلى التوجه القومي مع اتباع كل ما يمكن أن يسمى بالتطور الرأسمالي المرشد في نفس الوقت، واستمر التوجه القومي من 1952 حتى 1960؛ حيث انهيار الوحدة كأول مشروع أو حلم قومي، وفي أعقاب ذلك حدث تحول جديد استغرق الفترة1961 وحتى 1970 تم التأكيد فيه على التوجهات الاشتراكية، وهذه التوجهات فرضت ضرورة أن توجه سلوكيات البشر بمنظومة قيمية غير المنظومات التي كانت سائدة من قبل، وحينما وقعت نكسة 1967 بدأ التآكل في التحول الاشتراكي وإن كان بصورة غير محسوسة في البداية غير أنه حينما توفي الزعيم الاشتراكي في 1970 بدأ التحول عن الاشتراكية في اتجاه الليبرالية واضحا وصريحا، وقد عجل من ذلك تراجع فاعلية قوة الاتحاد السوفيتي، واتساع فاعلية القوي الرأسمالية أو الليبرالية، وقد استمر هذا التحول حتى 1990 ليبدأ تحول جديد مع سقوط الاتحاد السوفيتي، وبداية تشكل نظام عالمي جديد أصبحت متغيرات التغير أو التحول فيه من الخارج بالأساس».
هذا التحول والاستغلال الجديد القادم من الخارج، تعاضدت معه قوى وطبقات اقتصادية من الداخل، وخلق اغترابا بين المصريين والطريقة التي تدار بها البلد، فاستأثر الأغنياء بالمصالح المهمة في البلد، وأصبحت مصر بلداً ليس له مثيل في «خدمة الأغنياء» كما يقول المفكر المصري جلال أمين، وطبقة الأغنياء كان لها تداخل مع السلطة الحاكمة في البلد، من أجل تسيير المصالح والمنافع بين النخبتين، «ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث يكون للأغنياء أن يتدخلوا في إدارة الحكم للبلد بهذه الطريقة»، حسب الوصف الذي قالت به دراسة صادرة عن مركز كارنيجي، وهذا التقهقر والانحدار المستمر جسدته عقود مبارك الثلاثة، أما الأخبار والمشاهد التي ترد من مصر اليوم، تحت إدارة عبدالفتاح السيسي، فهي مشهد جديد في منظومة التأثير السياسي السلبي على المجتمع، عام واحد، فاق في سوئه وحدته وعمق أزمته، ما مر بالمصريين خلال الثلاثة عقود.