أجرت القوات الإيرانية الجوية، البرية، البحرية مناورات خلال الأسبوع الأخير من 2014 عُدّت الأكبر من نوعها، في استعراض واضح للقوة، فيما وصلت وحدات الجيش الإيراني إلى باب المندب، واستُخدمت أحدث الأسلحة في هذه المناورات التي حوت العديد من التمارين والالتحامات وإطلاق الصواريخ، ولقد برر بعض المعلقين الإيرانيين ضخامة هذه المناورات وتوقيتها بأنها لمحاربة الإرهاب؟!
وفي واقع الأمر، يبدو هذا التبرير غير منطقي!؟ ذلك أن إيران متهمة دولياً بمساعدة بعض الجماعات المحظورة، والتي وُضعت على لائحة الإرهاب، فكيف تقوم إيران بمحاربة هؤلاء، خصوصاً في ظل وجود تحالفات إيرانية مع بعض دول الإقليم العربية التي قاومت موجات الربيع العربي، وأمطرت شعوبها بالقنابل والبراميل الحارقة، كما أنه من الصعوبة بمكان تحديد هوية الإرهاب؟، فما يبدو إرهاباً لدى طائفة، لا يكون كذلك عند طائفة أخرى! ففي حين يهجم «الحوثيون» على صنعاء ويُشلون الحركة فيها، يصف البعض هذا التدخل السافر في الحياة المدنية بأنه إرهاب، في حين يراهُ فريق آخر بأنه شكل من أشكال تقرير المصير، ونفس الشيء يحدث في سوريا، حيث انتفض الشعب السوري من أجل كرامته، ورفع الظلم الذي ساد الحياة في سوريا لحقب طويلة، ولإنهاء الحكم العلوي في ذاك البلد، وهذا يُنظر إليه على أنه مطالبة بالحقوق المشروعة، وهو حق مكتسب لأي شعب يشعر بالظلم ويتوق لغد آخر مشرق، في حين يعتبر النظام السوري هؤلاء المطالبين بحرياتهم وكرامتهم على أنهم خارجون على القانون، وأنهم جماعات إرهابية لا بد من مقاومتهم حتى لو تشرد ثلاثة أرباع الشعب السوري إلى المنافي، ودمرت نصف بيوت سوريا. المسألة إذن، فيها نوع من الارتباك والالتباس، ولا يمكن تحديد مصطلح الإرهاب، لأن رؤى الناس تختلف بحكم مصالح البلدان وتحالفاتها السياسية مع الآخر، إضافة للعقيدة الفكرية التي تسود المجتمعات والأنظمة.
لا يمكن تصديق شعارات تلك المناورات الإيرانية الضخمة على أنها للتصدي للإرهاب، بل إنها رسالة للإقليم بوجود إيران قوية، وقوية جداً إذا ما حول أحد الاقتراب من خطوطها الحمراء أو «السوداء». إن عرض الخليج العربي لا يتجاوز في بعض المناطق الـ 55 كيلومتراً، وهو لا يحتمل مثل هذه المناورات بكل هذه الأسلحة والعتاد الحربي الذي استخدم فيها، نظراً لوجود المنشآت النفطية الحيوية على الطرق الجنوبي من الخليج العربي، ووجود محطات توليد الكهرباء لكل دول الخليج العربية على الشواطئ، وكذلك محطات تحلية المياه، وأن أي خطأ أو تعمد بشري لإلحاق ضرر بهذه المنشآت سوف يؤدي إلى كوارث إنسانية وبيئية لا يمكن التنبؤ بآثارها !. كما أن لدى إيران 1000650 كيلو متراً من الأراضي، ولديها بحر قزوين في الشمال، فلماذا تُعكّر إيران مناوراتها أمنَ الخليج، إن لم تكن لديها رسالة قوية للآخر؟ إن إقامة علاقات طبيعية بين الدول المتشاطئة على الخليج العربي من الأمور التي تعزز قيم التفاهم ودعم المصالح الاقتصادية، لما فيه خير شعوب المنطقة، كما أن حل مسائل الخلاف بالوسائل السلمية من الأمور الحضارية لأهل القرن الحادي والعشرين، كما أن إنهاء مسائل الخلاف بين إيران وجاراتها، خصوصاً احتلالها جزر الإمارات الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى) والكف عن التدخلات في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، من الأمور التي توفر مناخات التعاون وتدعم التبادلات التجارية، وتوحد المواقف الإسلامية في المحافل الدولية وتعزز مواجهة الإرهاب، أما استعراض القوة والتلويح باستخدامها، فهذا لا يُخيف الإرهاب ولا الإرهابيين.